كلنا يتذكر كيف حاصرت ادارة بوش في اواخر العام 2008 العراقيين باستخدام العديد من أساليب التهديد السياسية والاعلامية من أجل توقيع الاتفاقية الامنية بين الولايات المتحدة الامريكية والعراق الى الحد الذي أجبرت فيه ضغوطات مارسها ديك تشيني وكوندليزا رايس رئيس الحكومة نوري المالكي وجعلته يكرر الظهور على وسائل الاعلام ويستخدم جميع العبارات والاشارات التي تؤدي الى نتيجة واحدة مفادها ان توقيعه على هذه الاتفاقية هي غاية أمريكية لاسبيل للرجوع عنها أمام المد الساحق الذي جعل شعبية بوش تتهاوى الى الحضيض الأمر الذي أدى بالحزب الجمهوري الذي يقوده الى الهزيمة المريرة امام خصومهم الديمقراطيين .
والذي يقلب أوراق تلك الايام القريبة سيجد أن ضربات فصائل المقاومة الاسلامية عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله والقواعد الشعبية لجيش الامام المهدي (عج) وبإعترافات صريحة وموثقة للعديد من القادة والضباط الامريكان في قمة الهرم العسكري لقوات الاحتلال اثبتت وبشكل لاسبيل للشك فيه إن صواريخها وعبواتها الناسفة وعزيمة رجالها الاشداء في الثلاث السنوات الماضية قد آتت ثمارها ، فقد كان مجرد الإشارة الى أمر إنسحاب قوات الاحتلال أو تحديد سقف زمني لها أو وضع جدولة ولو طويلة الأمد موضوعا لاوجود له في أجندة فريق الحكم في البيت الابيض ، الذي إهتزت أركانه وهو يرى تهاوي مشروعه الاستعماري الكبير الرامي الى بسط نفوذ القطب الواحد على العالم كله ويرى جنوده وهم يجسدون للبشرية حقيقة الخيبة والفشل والهزيمة عبر ارتفاع معدلات الانتحار بين أفرادهم الى أعلى نسبة في تأريخ القوات المسلحة لكل جيوش العالم , وهم يشهدون بأم أعينهم كيف أن من كانوا ينتظرون منه أن يستقبلهم بالورود قبل سنوات قليلة ( هكذا صور البعض إستقبال أهالي الوسط والجنوب العراقي ذوي الأغلبية الشيعية لقدوم قوات الاحتلال الامريكي بسبب الجور الذي لحق بهم من النظام المقبور).
وإذا بحياة هؤلاء الجنود تتحول الى مسلسل رعب طويل لم تكتفي فيه المقاومة بتدميرهم في الشوارع والازقة والميادين بل تحولت (قلاعهم المحصنة بكافة وسائل الحماية الممكنة ) الى قواعد للرعب والموت ولم تسلم محميتهم الخضراء في قلب بغداد من أحداث هذا المسلسل فقد تلقت وفي أقل من شهرين أكثر من ألف صاروخ فتاك ، الوقائع والتحقيقات أثبتت أنها جميعا أصابت أهدافا حيوية ومركزة في ربيع 2008 .
لم يكن ممكنا أن تمضي تلك المواقف المشهودة لأبطال المقاومة دون أن تحدث تغييرا دراماتيكيا في المشهد الاستعماري الامريكي الذي جلب من أحدى مزارعه دجاجة سوداء مهجنة لتتصدر الواجهة في محاولة لتلافي جرائم الوحش البوشي الذي إنقض على العالم بحروبه المدمرة محاولا فرض سيادة مطلقة أثبت عزم رجال الرفض والمقاومة عدم إمكانية فرضها برغم التعسف والقتل والعصف والتدمير التي نفذتها المجنزرات و المدرعات والطائرات التي جاء بها المحتل والادوار القذرة التي لعبتها عصابات التكفير والصداميين الذي أمسك الاحتلال بخيوط ترقيصهم على حبال الدم ، لقد فرضت فصائل المقاومة على البريطانيين أولا الهروب وهاهي نتائج عملياتها البطولية تدفع العدو الى الاحتماء بقواعد محصنة وتجبر إدارة الاحتلال على تحديد جدول زمني للانسحاب من العراق .
أما الاحاديث التي تتناقلها وسائل الاعلام هذه الايام لسياسيين يدعون أن عملهم السياسي وجهدهم العسكري الرامي لتقليل حدة العنف في العراق بحسب إصطلاحاتهم الممهورة بالابتسامة الامريكية البغيضة هو الذي دفع بالمحتل الى الخروج من المدن وتحديد السقف الزمني للخروج النهائي ، فهذه الاحاديث لن تعدوا كونها بضاعة فاسدة يراد من ترويجها شراء الاصوات للانتخابات المقبلة غير مبالين ولامكترثين بحقيقة وضع العراق المأساوي الذي تسبب به الاحتلال . ومحاولين القفز على حقيقة دور المقاومة الاسلامية التي جابهت المحتل وأجبرته على التخلي ليس عن سيطرته على العراق فقط بل لقد أجبرت هذه المقاومة الباسلة جميع مركز صنع القرار المعروفة وغير المعروفة في واشنطن ونيويورك ولندن على الايعاز الى جميع الوكالات الاستخبارية ومقار معاهد الدراسات والبحوث ووسائل الاعلام العالمية والمنظمات العالمية التي تأتمر بأمرها على إعادة خططها كافة وتقييم التوازن الجديد الذي أحدثته المقاومة الاسلامية والتي حلت فيه إمتداد لكل حركات التحرر في العالم ..ولعل وقفة قصيرة أمام أفلام العمليات البطولية التي دمرت قوات الاحتلال و ما أكثرها في مواقع النشر الالكترونية ستبين بوضوح أهمية الدور الكبير الذي لعبه أبطال المقاومة الاسلامية في إسقاط المشروع الامريكي وإجباره الى التراجع عن حلم السيطرة على العالم عبر بوابة العراق .
فلقد انتصر الرجال وفرضوا على المحتل إرادتهم وانتصروا وهم يقفون بوجه أعتى قوة عسكرية عرفها تاريخ البشرية وأجبروها على النكوص والتراجع فهل سيعي السياسيون العراقيون الحقيقة ، وهل سنجد فيهم الرجولة والوطنية الكافية التي تجعلنا ندرك في خطواتهم المقبلة وعيا إنسانيا يرفض الذل والاحتلال ويعمد الى بناء وطن مستقل يعيش فيه أبناءه بكرامة الحرية التي لن تحققها سوى سواعد رجال المقاومة التي لاهم لها سوى الدين والوطن .