
السيد الطباطبائي يزور المعرض الثقافي الذي اقامته هيأة الحشد الشعبي في كربلاء المقدسة
مارس 24, 2023
بسم الله الرحمن الرحيم
المشهد العراقي وأثر الخطاب النوعي في توجيه المرحلة
“الشيخ الخزعلي أنموذجا”
عدنان الحساني
حينما يخوض بلد ما تجربة قدّر لها إلهيا ان تكون انتقالة تأريخية وتأسيسا مجتمعيا جديدا يقول تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ} وأريد لها بشريا أن تكون بيضة القبان في مزايدات السياسة العالمية والاقليمية من جهة وطرفا استثنائيا في معادلة الاحتراب الأيدولوجي للأمم والملل والطوائف من جهة أخرى.
فحينما يخوض مثل هذا البلد تجربة بهذا العمق لابد أن تتداعى طوائفه وشرائحه المجتمعية لترتيب الأولويات انطلاقا من مبدأ تحصين الذات على قاعدة “الدين ثم الوطن” وهي القاعدة التي تناسب مجريات الحدث التاريخي كضرورة استثنائية لان الهوية الحقيقية للانسان هي الدين ولاشيء سواه وسائر العناوين اعتبارات أرضية قد تكون محترمة بحد ذاتها الا أنها لاتمثل أولوية متجذرة في عمق هوية الفرد المسلم.
ولكن بصرف النظر عن قاعدة الأولويات, والتوجه مع مواكبة المد الفكري الذي نشأ مع الاستعمار الحديث والذي أحدث واقعا جيوسياسيا لا يمكن تجاهله أبدا بل قد تكون مسايرته ضرورة شرعية في بعض الاحيان لو ترتبت عليها مصلحة مهمة أو دفعت بها مفسدة عظيمة فمع هذا التوجه ينبغي التأشير على محددات الواقع السياسي من منطلق القاعدة الاستثنائية التي أسلفناها فحينما يتعرض العمق الديني الى أزمة مواجهة تؤثر بصورة مباشرة على وحدة الارض والعمق الجغرافي للوطن حينها لابد أن تمسك العصا من الوسط للحفاظ على تراتبية الأولويات من جهة والتعامل مع الأزمة بمنطق(السوط قراطية)او(العصا قراطية)او(العسكرقراطية) سمه ما شئت من جهة اخرى أي بمنطق المناصفة .
على ضوء هذه القواعد والمنطلقات وفي مثل هذه الأزمات تأتي اهمية الخطاب النوعي والذي يشكل قاعدة أرتكاز عريضة في تحقيق رؤية تبنى عليها المواقف لعبور المرحلة .
إن الخطاب السياسي الذي تتبناه حركة أهل الحق في مواجهة الأزمات التي تحيط بالبلد استطاع ان يلقي بظلاله ويؤثر على قطاعات واسعة من الرأي العام العراقي ومنشأ هذا التأثير في اعتقادي لم يتأتى من كون الخطاب ناتج عن مجرد مزاج سياسي او اصطفاف عقائدي بل لان هذا الخطاب يسمي الاشياء بمسمياتها وأوضح دليل على ذلك ما أشار اليه الامين العام للحركة في مقابلته مع قناة الشرقية يوم الأثنين 7/1/2013 حين وصفه لشخصية رأس السلطة التنفيذية في الحكومة العراقية فهو لم يخرج في وصفه عن حدوده الموضوعية الى حدود الاصطفاف ومع ذلك أشّر على (الضرورة المرحلية)التي تمثلها شخصية رئيس الوزراء .
ولربما يتساءل البعض عن سر قوة الخطاب الذي يتبناه أهل الحق مع كونه خطابا يشابه الى حد بعيد خطابات بعض الكتل المشاركة في العملية السياسية ولكن قد يتلاشى هذا الاندهاش عند ملاحظة جملة من المعطيات التي يتمتع بها اهل الحق وهي:
1- ان الدافع في تبني الخطاب السياسي لدى الكتل المنظوية في الحكومة اما هو دافع انتخابي تفرضه الاصطفافات الكتلوية او هو بروتوكول اعلامي وظيفي يتحتم على السياسي الحكومي ابداءه , في حين ان هذه الدوافع منتفية عند أهل الحق مما يضفي على خطابهم موضوعية تنسجم مع تطلعات الشارع لانها خالية من المزايدات السياسية .
2- ان الاهداف التي تتبناها الحركة منذ نشأتها هذه الاهداف بحسب طبيعتها في سيرورة الوقائع بعيدة عن نفس التسلط لان حركة الجهاد والمقاومة ظاهرة دراكماتية تهب المجد والعزة للشعوب وترث المآسي والآلام لأبنائها كما هو معلوم ومن البعيد ان يكون خطاب المقاومين نابعا عن شهية سلطوية او مزاج يتخايل مع طيف محدد.
3- حالة الثبات وعدم التخبط بين المواقف المختلفة اضفت على خطاب الحركة جوا في منتهى الواقعية مما أسس علاقة مبنية على الثقة بين هذا الخطاب والمتلقي وعليه فان كان المعطى السابق مبنيا على مبدأ المقاومة الذي تشترك به الحركة مع بعض الجهات المنظوية في الحكومة فان هذا المعطى يميز أهل الحق عمن سواهم اضافة الى ميزتهم في المعطى الأول.
قيادة أهل الحق ومواصفات الخطاب النوعي
درج الامين العام لحركة المقاومة الإسلامية أهل الحق سماحة الشيخ الخزعلي في خطاباته على تغليب سلطة التناسب بين الحكم والموضوع على قاعدة(اعرف حجم اللابس بمقاس الملبوس) ولعل ذلك هو الذي جعل خطابه يتمتع بكثير من عناصر المراس الواقعي والتكافؤ بين الهوية وضرورة المرحلة ولو قارنا بين هذا النوع من الخطاب وخطاب (رمز)آخر يبني مواقفه على استغلال الظروف والأزمات والذي لا ينسجم خطابه مع مكافئة المرحلة الا كمن يحاول الإمساك بتفاحتين معا وفي يد واحدة ناسيا او متناسيا سنن التاريخ والتي حدثنا عنها القران الكريم في قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} .
فلو قارنا بين هذين النوعين من الخطاب نخرج بجملة من النتائج أهمها:
1- ان الخطاب الذي تتبناه قيادة اهل الحق يستمد قوته من تكافئه مع مشاعر القاعدة الجماهيرية التي تشاطره التفكير الايدلوجي المشترك من دون ان يتجاهل عنصر الديبلوماسية في التعبير عن هذا التفكير أمام الآخر المذهبي والذي يشاطره في الأرض والوطن على عكس النوع الثاني من الخطاب والذي اهمل التكافؤ مع مشاعر القاعدة التي تشاطره نفس التفكير وتجاهل عنصر الدوبلوماسية مع كل الأطراف وراح يغرد مع اسراب متباينة في الاصوات والألوان لكنه خارج السرب الذي يسانخه في اللون واللغة.
2- تجرد الخطاب الذي تتبناه قيادة اهل الحق عن أي عنصر يرتبط بالبعد العاطفي او مبني على المرتكزات المسبقة والمواقف ذات اللباس الشخصي والتوجه الذاتي الفردي وهذا واضح لمن القى السمع وتدبر بانصاف في حين ان الخطاب الآخر مليء بهذه العناصر حتى أصبح الشغل الشاغل لهذا النوع من الخطاب هو ملاحقة المسميات الشخصية وتغليب االأحكام المسبقة والنزعات العاطفية في كل محفل وفي أي ظرف او أزمة.
3- الذي يراقب قراءة المشهد العراقي من قبل قيادة أهل الحق يجد أن هناك انسجاما بين الخطاب السياسي الصريح والموقف السياسي الصريح من جهة وبين الحفاظ على الهوية ومواكبة المرحلة من جهة اخرى وهذا على عكس ما نراه في قراءة النوع الثاني من الخطاب.
الخطاب النوعي وإستشراف المستقبل
لا يخفى من ان الخطاب الناجح هو انعكاس عن ممارسة ناجحة لقواعد القيادة والمسؤولية ومن الضروري بمكان ان تتمتع القيادة بأفق واسع في قراءة المستقبل وذلك من خلال الربط بين الاحداث الحاضرة والتجارب السابقة والاستفادة من سنن التاريخ والذي يعيد نفسه مع كل حدث متسانخ ومتشابه .
وحينما نقرأ جملة الخطابات التي أدلى بها الشيخ الخزعلي في الفترة الاخيرة وفي أكثر من مناسبة نجد أن عناصر الاستشراف بارزة على الرغم من تأطيرها باطار اللغة السياسية في بعض الاحيان وهي اللغة التي تتعامل مع المرحلة والحاضر بعمق اكبر وتتحفظ كثيرا في ابداء المواقف المستقبلية على نحو الثوابت بينما اللغة الفوق سياسية والتي تتوخى مابازاء الاشياء انطلاقا من مسمياتها جريا على التقليد التكويني والحركة التاريخية هي القادرة على التاشير على محددات المواقف المستقبلية بناء على رؤية موحدة كلية تستقرأ منظومة العلاقات ين القيم والمواقف ليس في محيطها فحسب بل ابعد من ذلك ايمانا منها بان حركة المجتمع البشري وحدة موحدة تؤثر بعضها ببعض سلبا وايجابا خصوصا وان هذا المجتمع يعيش في دائرة نظام التدافع والمدافعة وهو نظام عبر عنه القرآن الكريم كسنة تاريخية ضرورية يقول تعالى: {….وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} ويقول عز وجل ايضا: {……وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} .
وهكذا ومن منطلق الرؤية القرآنية التي تؤمن بها حركة أهل الحق كان خطابها مبنيا على هذه المعايير فحينما حدد الشيخ الخزعلي شخصية (المالكي) بانها الشخصية المناسبة في ادارة مرحلة الازمات القادمة لا لأن هذه الشخصية تعيش مستوى النموذجية بل لانها تنسجم تماما مع نظام المدافعة وهو النظام الذي لايشترط نموذجية المدافع تكوينا وان كان يحبذها تشريعا في القضايا التي تمس نواميس السماء.
وعليه وبناء على هذه المعطيات يمكن تقييم الخطاب المرحلي الذي تتبناه حركة اهل الحق على لسان امينها العام ووضعه في صدارة الخطابات النوعية
ومن جديد نؤكد ان ذلك ليس من باب الانسياق مع المزاجات وانما نابع من شعور حركة اهل الحق بضرورة الاتصال بعمقها الايدلوجي والجماهيري من جهة وبضرورة الانسجام مع حركة التاريخ والواقع وفق الثوابت ومكافئة المتغيرات من جهة اخرى .
الخطاب النوعي بين إستنفاذ التجارب والعودة الى نقطة النظام
حينما تريد أن تقيّم تجربة فلا بد أن تعايشها واذا اردت أن تقود تجربة فلابد أن تعيشها وتتذوق معاناتها فان فشلت هذه التجربة كان لزاما أن تستدعي أنموذجا جديدا من التجارب يختلف إختلافا نوعيا عن الإنموذج الفاشل أما إذا نجحت فاعلم أنها ليست خاتمة التجارب من حيث الامثلية فان معاناة الحفاظ على النجاح أشق من معاناة النجاح.
إن النجاح الذي حققه أهل الحق على مستوى الكفاح نجد انه انسحب الى مستوى الخطاب لكن ذلك لا يعني ان هذا هو المستوى الأمثل مادمنا نعيش عالم المدافعة خصوصا وان الاعداء يتصيدون ويتحينون الفرص كما ان النظام الاجتماعي الاحسن الذي يريده الله تعالى للناس بحكم عناصره المثلى يستدعي من التاريخ حركة مستمرة اما تكاملا في النجاح او فشل مرحلي والبدء من جديد من حيث وصل الآخرون فاما ان تضع تجربة أهل الحق أوزارها لتحملها رجال الغد في تجربة جديدة وأما أن يوفقّوا لاكمال المسيرة مما يستدعي منهم المزيد من خوض التجارب وتذوق المعاناة.
من هنا فان قيادة أهل الحق بقدر ما هي بحاجة الى تنويع الخطاب بما يلائم المرحلة بقدر ماهي بحاجة الى العودة الى نقطة النظام الأولى ومراجعة الذات وسد الثغرات التي قد يوجدها الخطاب السياسي المرحلي على الرغم من ضرورته مهما كان هذا الخطاب سليما وناجحا فان السلامة والنجاح في التجارب البشرية تبقى نسبية على عكسه في العناصر الإلهية المعصومة فانها مطلقة الصحة والسلامة والنجاح الأتم ولله الأمر من قبل ومن بعد {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.